viande des chiens

يا أمة ضحكت...
ما تدير خير، ما يطرا باس
26/08/2007

مصطفى المسناوي:
باستثناء منبرين أو ثلاثة منابر صحافية، لم تول وسائل الإعلام المغربية كبير اهتمام لواحدة من أهم المحاكمات التي عرفتها بلادنا في السنوات الأخيرة، والتي انتهت آخر أشواطها بالمحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء عشية يوم الجمعة الماضي .
يتعلق الأمر بمحاكمة مواطن مسكين، مهموم بقضايا مواطنيه، وخاصة منها قضية «الأمن الغذائي» الذي هو أساس كل أمن. فحين لاحظ هذا الأخ أن لحوم البقر والغنم والجمال وما شابه لم تعد في متناول المواطن المسكين، تطوّع لمساعدته عن طريق توفير لحوم رخيصة الثمن لا يتعدى سعرها عشرين درهما للكيلوغرام الواحد، وهكذا تمكّن من رفع المعاناة عن عدد لا بأس به من المواطنين لمدة لا بأس بها، قبل أن يقود «الحسد» (اللهم قنا شر الحسد) بعض منافسيه إلى الوشاية به ليعتقله رجال الدرك يوم 24 يوليوز الماضي (بجماعة دار بوعزة) بتهمة «بيع لحوم الكلاب للمواطنين».
اللافت للانتباه أن اعتقال «الظنين» (هكذا صار نعته بعد اعتقاله) لم يتم بفعل شكاية رفعها أحد المستهلكين للحومه الكلبية، وإنما تم عن طريق الوشاية، الشيء الذي يعني أن المواطنين المستهلكين للحومه كانوا راضين عنها كل الرضى وغير مهتمين بالمصدر الذي جاءت منه؛ وكلنا يذكر تصريح ذلك المواطن الذي لم ينجح في إخفاء غيظه قبل حوالي ثمان سنوات حين جرى اعتقال أحد بائعي النقانق (الصوصيص) المصنوعة من لحوم الكلاب فقد قال بلوعة لاحد لها (والظاهر أنه كان من زبنائه المدمنين) متحدثا عن رجال الشرطة الذين اعتقلوه بحي سباتة:«وكلت عليهم الله شحال كان بنين» (يقصد النقانق طبعا).
والحقيقة التي ينبغي الاعتراف بها هي أن المواطنين عندنا لم يعد يهمهم معرفة مصدر اللحوم التي يأكلونها، بقدر ما يهمهم أن تكون «بنينة» وأن يملأوا بها بطونهم فحسب؛ والدليل الحي على ذلك تجمهرهم بكثافة على بائعي «الصوصيص» بمجرد ما تصل روائحه إلى خياشيمهم، وهي روائح لا علاقة لها باللحم المشوي الذي لا يمكنهم إنكار أنهم يعرفونه حق المعرفة ويتذوقونه، من العيد الكبير للعيد الكبير على الأقل؛ كما أن الأخ «الظنين» كان يذبح أربعة كلاب في المعدل كل يوم (هي كل ما يقدر على اصطياده منها)، لا يجد أدنى صعوبة في «تصريف» لحومها بين المواطنين الجائعين.
من حسن حظنا أن الحكومة سهرانة على أمن المواطنين وسلامتهم، لذلك قامت باعتقال «الظنين» وعرضه على القضاء الذي قال كلمته الفصل فيه. لكن الملاحظ هو أن تعليل الحكم الذي صدر على المواطن المسكين (وهي إشارة قوية لكل من فكر في «رفع المعاناة» عن المواطنين وحيدا ودون دعم من الحكومة) بثلاث سنوات سجنا نافذا يثير أكثر من سؤال، حيث لم يصدر الحكم عليه (وعلى شريكين له كانا يساعدانه في مهمته النبيلة هذه) انطلاقا من تهمة «ذبح الكلاب وترويج لحومها» وإنما قضت المحكمة بإدانته اعتمادا على ثلاث تهم أخرى هي:«قتل حيوان دون ضرورة»، و«بيع مواد حيوانية غير مسموح بها»، و«الغش في منتجات»؛
.